Thursday, February 19, 2015

مع اقتراب الانتخابات: الضغط في السودان من أجل تحويل الصحافة لنشرات حكومية


مع اقتراب الانتخابات: الضغط في السودان من أجل تحويل الصحافة لنشرات حكومية
خلال الأعوام الماضية، واجهت العديد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والإعلامية، هجمات متصاعدة تنافي كافة الأعراف والقوانين السودانية والدولية. وبخلاف المداهمات والاعتقالات وإيقاف الأنشطة والرقابة القبلية والبعدية والعقوبات الاقتصادية على هذه المؤسسات، ظهرت وبشكل مكثّف، حالات إلغاء التسجيل والمنع من مزاولة الأنشطة نهائياً ومصادرة الممتلكات وتشريد العاملين بهذه المؤسسات إن كانت منظمات مجتمع مدني أو صحف أو مؤسسات ثقافية.
ظلت الصحافة السودانية عُرضة لكثير من الإنتهاكات خصوصاً بعد إنفصال دولة جنوب السودان، ففي العام 2011 أصدر المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، قراراً بإيقاف خمس صحف تصدر باللغتين الإنجليزية والعربية هي أجراس الحرية، خرطوم مونيتر، جوبا بوست،  سودان تريبيون،  أدفوكيت، وذا ديمقراط بحجة أن جزءاً من مُلَّاكها وناشريها هم مواطنون من دولة جنوب السودان. وفي يوم 12 يوليو 2012 أوقف جهاز الأمن والمخابرات الوطني صحيفة التيار اليومية بدون إبداء أي أسباب وقد عاودت الصحيفة الصدور بعد عامين من الإيقاف في السادس من يونيو 2014 بقرار من المحكمة الدستورية.  وفي 19 يوليو 2014 تعرضت الصحيفة لهجوم من مجموعة مُسلحة تتكون من (20) شخص وقامت المجموعة بالإعتداء على الصحفيين ونهب بعض الهواتف النقالة و أجهزة اللابتوب بالإضافة للإعتداء الجسيم على رئيس تحرير الصحيفة، وكانت المجموعة تستغل عربتان ذات دفع رباعي لا يحملان لوحات و هذا النوع من العربات لا يمكن امتلاكه إلا عبر إذن من السلطات الأمنية و العسكرية، وقد قامت إدارة الصحيفة بفتح بلاغ بالحادثة في القسم الشمالي بالخرطوم إلا أن الحكومة لم تفسر الحادث ومازال البلاغ مفتوحاً بدون تقدُّم في التحقيقات بحسب رئيس تحرير الصحيفة[1] .
في الثامن و العشرين من شهر مايو 2014، تعرضت صحيفة الصيحة للإيقاف  بقرار من نيابة الدولة بعد تفتيش مقرها بأمر من نيابة أمن الدولة  والإستيلاء على بعض الوثائق والمستندات، وقد استأنفت صدورها في 5 يونيو 2014 تزامناً مع صحيفة التيار، ثم أوقفت مرة ثانية بعد يوم واحد من الصدور، لتعاود الصدورة مرة أخرى في أكتوبر 2014 بتوجيه من رئيس الجمهورية.[2]
 
 
يركز هذا التقرير على الإنتهاكات التي واجهتها الصحف والصحفيين السودانيين خلال شهر يناير 2015. وقد  شهِد شهر يناير 2015  العديد من الهجمات الأمنية على حرية التعبير بشكل عام وعلى الصحافة بشكل خاص.  فقد بلغت جُملة البلاغات في المحاكم والاستدعاءات من قِبل الأجهزة الأمنية  للصحفيات/ يين في هذا الشهر، حوالي أحد عشر استدعاء وبلاغ، هذا غير المُحاكمات الجارية للصحفيات/ الصحفيين بمحكمة الصحافة والمطبوعات لفترات تتراوح لأكثر من عامين حيث تظل الصحفية/ الصحفي يمضي وقته/ا ما بين ردهات المحاكم ومقار جهاز الأمن بالعاصمة. أغلب الصحفيات/ يين يعملون/ يعملنّ في ظل ظروف معقدة ومخاوف يومية من الرقابة المستمرة، هذا بالإضافة لمُصادرة الصحف ومنع توزيعها.
ينُص دستور السودان الإنتقالي للسنة 2005 في المادة (39) الفقرة (2)  على أن " تكفل الدولة حرية الصحافة ووسائل الإعلام وفقاً لما يُنظمه القانون في مجتمع ديمقراطي"، إلا أن الصحافة ووسائل الإعلام ظلَّت بعيدة عن هذه الحماية الدستورية.
 فطيلة شهر يناير، ظلت صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوداني تتعرض للمُصادرة بعد الطباعة فيما عدا يومي التاسع والخامس والعشرين من يناير[3] . أيضاً تمت مُصادرة عدد صحيفة الأهرام اليوم المُستقِلة الصادر في الثامن والعشرين من يناير على خلفية نشر خبر يتعلق بتأجيل الإنتخابات[4]. كما ننوه إلى إستمرار مُصادرة الهاتف المحمول وجهاز اللابتوب الشخصي من الصحفي بصحيفة الميدان  محمد الفاتح هِمت الذي تمّ اعتقاله من مقر المرصد السوداني لحقوق الإنسان في الحادي والعشرين من شهر ديسمبر من العام الماضي.[5]
تتعرض الصحافة السودانية لهجمات متكررة على حرية التعبير ومن جهات مُختلفة ما بين محاكم ونيابات الصحافة وبين استدعاءات مكاتب الأجهزة الأمنية المختلفة. وقد تمَّ فتح بلاغ في المحررة بصحيفة الجريدة سعاد الخضر في نيابة الصحافة والمطبوعات في مُنتصف شهر يوليو الماضي من العام 2014. وفي إتصال هاتفي لـ "المرصد" مع المحررة أشارت إلى أن البلاغ تمَّ إثر نشر خبر يتعلق بفساد في موسم الحج الماضي؛ تمّ فتح البلاغ تحت المادة (159) إشانة سمعة والشاكي فيه الهيئة السودانية للحج والعمرة. وقد تأجَّلت المحكمة لأكثر من مرة بسبب إجراءات إدارية داخل الجريدة، ولا زالت المُحاكمة مستمرة[6].
استدعاء وتهديد
قام جهاز الأمن و المخابرات الوطني في نهار الثامن والعشرين من شهر يناير 2015 باستدعاء المُحررة بصحيفة الجريدة  ندى رمضان على خلفية نشر خبر لها متعلق بدخول شحنة  أدوية تُستخدم في غسيل الكلى وبعض أدوية السُعال للسودان رغم وجود قرار يمنع ذلك إلا من مصادرها الأصلية. وفي إتصال هاتفي مع المُحررة[7] أفادت بأن فردين من  جهاز الأمن أحدهم برتبة رائد والآخر برتبة نقيب، زارا مقر الجريدة في يوم الثلاتاء الموافق السابع والعشرين من يناير وطلبا منها الحضور لمقر الأمن الإقتصادي، ورفضا إخبارها بسبب الاستدعاء. وفي اليوم التالي ذهبت لمقر الأمن بصحبة رئيس التحرير وانتظرا لمدة ساعتين بدون سؤالهما، ما اضطرهما للمُغادرة لعدم وجود الضابط الذي سيقوم بالتحقيق معهما. وبعد يومين إتصل أحد أفراد الأمن وطالبها بالتعاون معهم ثم، أخذ كل بياناتها الشخصية. وقد أوردت الصحفية ندى في إفاداتها أن أحد أفراد الأمن أتى إليها في مقر الصحيفة في الثلاثين من يناير 2015 وطالبها بأن تتعاون معهم وهددها بإستخدام أساليب أخرى إن لم تتعاون.[8] وعندما أخبرته بأنه ليس من حقه ذلك أجاب: نحن من حقنا أن نحصل على كل المعلومات وهدد بالقول: " نحن لا نتعامل مع الناس بصفتهم الإعتبارية وعندما تأتي إلى مكاتبنا ونقتادك لـ (آدم) في الطابق الثاني سنأخذ منكِ المعلومة برضاك أو عدمه لأنك غير متعاونة".[9]
و في يوم 18 يناير 2015 استدعى جهاز الأمن والمخابرات الوطني دائرة الإعلام، المُحررة بصحيفة التغيير اليومية مُزدلفة دكام ورئيسة تحرير الصحيفة سمية سيد، وحقق معهما في ما نشرته الصحيفة من تصريحات القيادي بالمؤتمر الوطني أمين حسن عمر عن صلاحيات جهاز الأمن في الاعتقال. وفي إفاداتها للمرصد قالت مزدلفة دكام أنه تمّ استدعائهما لمقر جهاز الأمن هي ورئيسة التحرير بشأن الموضوع أعلاه، وتمَّ سؤالهما عن مدى صحة الخبر ومن ثمَّ تمَّ إخلاء سبيلهما بعد الإستجواب.[10] 
إنتهاكات قانونية ومهنية
في الثاني عشر من يناير 2015م حققت نيابة الصحافة مع خمس من الصحفيات/ين الذين/اللاتي يغطين أخبار الجريمة بسبب فتح ديوان الزكاة بلاغاً في مواجهتهم بتهمة إشانة السمعة (المادة 159 من القانون الجنائي) لنشرهم خبر في الثامن من ديسمبر 2014، يتعلق  بانتحار أحد المواطنين أمام مقر ديوان الزكاة بولاية الخرطوم. وفي إفادة للمرصد من عمر سيكا - أحد المتهمين في القضية وكان يعمل لصالح صحيفة الجريدة في ذلك الوقت-[11] قال إن الصحفيات والصحفيين هم: مسرة شبلي (صحيفة آخر لحظة)، سلمى محمود (صحيفة الخرطوم)، علي البصيري (صحيفة الإنتباهة)، عبد الرحمن سيف الدين (صحيفة الدار). وفي إتصال للمرصد مع عمر سيكا أفاد بأن الإنتهاك لم يحدث من نيابة الصحافة فقط بل هنالك إنتهاك داخل المؤسسات الصحفية وأكد أن نقله للخبر صحيح إلا أن التعديلات التي تمت للخبر من قبل إدارة الصحيفة هي التي قادته للمحكمة.[12]
جهاز الأمن يستدعي رئيسة القسم الإقتصادي بصحيفة المُستقلة 
استدعى جهاز الأمن العام في الساعة الثانية ظهراً من يوم الأحد 25 يناير 2015 رئيسة القسم الإقتصادي بصحيفة المُستقلة هنادي الهادي، التي تمَّ استدعائها لمقر جهاز الأمن بسبب نشر خبر عن  أزمة في الدولار. وتركَّزت مجُمل الأسئلة حول مصدر المعلومة (من صرح لكِ بالخبر ومن أين تحصلتي على المعلومة). تقول هنادي "كانت طريقتهم استفزازية للغاية، فإن طلبت منهم إعادة السؤال أو التوضيح، تعلو أصواتهم ويتهيجون: كلامنا دا ما واضح نحن بنتكلم معاك عربي ما فاهماهو؟". وبعد ساعة ونصف من التحقيق تمَّ إخلاء سبيلها وأخبروها بأنهم سيعاودون الإتصال بها ثانية.[13]  
 
المُحرر بالقسم السياسي بصحيفة الميدان يواجه الاعدام
يواجه إبراهيم ميرغني المحرر السياسي بصحيفة الميدان تُهماً تصل عقوبتها للاعدام لنشره تعليق سياسي بالصحيفة في عددين متتاليين قبل قُرابة الخمسة أشهر عن المجاعة في شرق دارفور، وآخر عن حرائق النخيل بشمال السودان.[14] ويقول المسؤول عن تحرير التعليق السياسي بالصحيفة إبراهيم ميرغني "كتبت تعليقاً عن حرائق النخيل بالشمالية وإنها بفعل فاعل لما لديَّ من معلومات مؤكدة نشرتها الصحف اليومية بالتفصيل قبل الميدان. هناك خبران، كان الأول عن تحليل خبر عن المجاعة في شرق دارفور، فبحسب ما أوردت  جمعية  الهلال الأحمر أن هنالك مجاعة حادة بشرق دارفور أدَّت لأن يبحث المواطنون عن حبات الذرة في بيوت النمل، علماً بأن الذي استندتُ عليه تمَّ نشره من قبل في  صحيفة التغيير اليومية، ما يعني أن هذا استهداف واضح المقصود منه تعطيل الجريدة واستهداف شخصي للمُحرر. وقد كانت التحريات مضحكة للغاية وبها استهتار بالمعلومات التي أوردتها." وفي 14 يناير 2015 استدعت نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة رئيسة التحرير مديحة عبد الله وحققت معها بشأن هذه الأخبار وبناء على التحقيق معها، تمَّ فتح بلاغ كان الشاكي فيه جهاز الأمن و المخابرات الوطني في تحت المادة (50) من قانون الأمن المتعلقة بتقويض النظام الدستوري، وأُحيلت القضية إلى محكمة الملكية الفكرية شمال شرق نادي الأسرة. وكانت أولى الجلسات في 20 يناير في مواجهة الصحفيين  تحت مواد متعلقة بإشانة السمعة (المادة 159 من القانون الجنائي)، إضافة إلى تقويض النظام الدستوري، والمادتين (24- 26) من قانون الصحافة والمطبوعات (مسئولية رئيس التحرير). تمَّ تأجيل المحكمة إلى 16 فبراير 2015 بدون أسباب واضحة.[15] ويضيف إبراهيم أن "المقصود من مُلاحقة الصحافة هو إخفاء الصوت المعارض تماماً في مرحلة الإنتخابات، وتحميل الصحف أكبر قدر من الخسائر والإرباك، هذا في إطار الهجمة العامة ضد حرية التعبير الحر  وعدم ترك أي مساحة للتعبير لحين قيام الإنتحابات"..[16]
 
 
بلاغات جديدة في مواجهة مراسل صحيفة التيار
مثل الصحفي تاج السر ود الخير، مراسل صحيفة التيار بولاية الجزيرة في الخامس من يناير أمام محكمة جرائم المعلوماتية في بلاغ يتعلق بقضية النشر الإلكتروني، وفي يوم 25 يناير 2015 أمام محكمة نيابة الصحافة والمطبوعات. وقد استمرت محاكمة تاج السر لأكثر من أربع سنوات، مع فتح بلاغات جديدة ضده في مارس 2014. ويقول تاج السر ود الخير عن قصة محاكماته: قبل أربعة أعوام 2010 تقريباً سجلت ولاية الجزيرة بلاغات متعلقة بإشانة السُمعة (المادة 159 من القانون الجنائي) في مواجهتي بسبب نشر تحقيق بصحيفة التيار عن إستلام إدارة الطاقة الشمسية لمعدات طاقة شمسية غير مُطابقة للمواصفات والشاكي فيه مدير إدارة الطاقة الشمسية. وبرغم تبرئتي من المحكمة إلا أنه ظل يستأنف ضد قرار البراءة. والقضية الآن وصلت المحكمة الدستورية. و في مارس 2014 فُتِح بلاغ ضدي بنفس المادة السابقة من قِبل مستشار الوالي السابق لولاية الجزيرة (الزبير بشير طه)، بسبب نشر تحقيق تعلق بإهدار المال العام، علماً بأنني أملك المُستندات في كل هذه القضايا. وتزامناً مع هذه البلاغات وبعد تطبيق جرائم النشر الإلكتروني، تمَّ فتح بلاغ ضدي في نيابة جرائم المعلوماتية (المادة 107 جرائم معلوماتية) بنفس القضايا السابقة لأنها كانت منشورة في موقع الصحيفة، وكذلك هناك بلاغان آخران بنيابة الصحافة والمطبوعات وجرائم المعلوماتية، في قضية نشر تحقيق عن تجاوزات مالية في أراضي ولاية الجزيرة. وفي ذات القضايا مثلت يوم 25 يناير 2015 أمام محكمة نيابة الصحافة والمطبوعات، وفي الخامس من يناير أمام محكمة جرائم المعلوماتية في بلاغ يتعلق بقضية النشر الإلكتروني، علماً بأنها ذات المواضيع التي تجري فيها محاكمتي في محكمة الملكية الفكرية (الصحافة والمطبوعات). وفي رأيي أن المقصود من هذا زعزعة الصحافة وإلهائها عن أداء دورها، فأنا أعمل مراسل بولاية الجزيرة ووجدت نفسي أمضي كل الشهر جيئة وذهاباً ما بين الخرطوم ومدني، فتارةً لحضور جلسات محكمة الصحافة والمطبوعات، وتارة أخرى مقبوضاً عليَّ من قِبل جرائم المعلوماتية. يقول ود الخير: " يقتادك فرد من الأمن بعد الساعة الخامسة مساء، وحين تصل للخرطوم تكون الساعة ما بعد التاسعة والهدف من ذلك حبسك لليوم الثاني في إنتظار التحري معك في الصباح. وفي ذات مرة قام أفراد نيابة جرائم المعلوماتية بحبسي في حراسة الميناء البري، وبعد الإعتراض الشديد أحالوني لحراسة جرائم المعلوماتية. كما أن إلقاء القبض عليك يتم في أي مكان بدون أن يخطرونك بتهمتك. والأدهى من ذلك أن الترحيل من مدني إلى الخرطوم يتم عن طريق المواصلات العامة وليس عبر السيارات الخاصة بالنيابة أو الشرطة". [17]
 
أجهزة الإعلام المرئية تتعرض أيضاً للملاحقة
لم تقف المُلاحقة الأمنية على الصحف بل طالت هذه المرة الأجهزة الإعلامية المرئية التابعة للدولة. ففي سابقة قام جهاز الأمن، دائرة الإعلام بإستجواب الفريق المُعد لبرنامج الصالة في قناة الخرطوم الفضائية في يوم الخميس الموافق 22 يناير 2015، بسبب استضافتهم للقيادي بالمعارضة محمد ضياء الدين الذي تحدث عن الهجمة على حرية التعبير.
 
استدعاء ثلاثة من صحفيي البرلمان
كما استدعت نيابة الصحافة والمطبوعات في 12 يناير 2015 (الساعة الثانية عشر ظهراً)  ثلاثة من الصحفيات/ يين من صحف مختلفة،  مسؤولين عن تغطية أخبار البرلمان وهم  هبة عبيد (صحيفة الإنتباهة )،  مرتضى أحمد (الأهرام اليوم)، إيمان عبد الباقي (المجهر السياسي) وحققت النيابة  مع مرتضى أحمد  وإيمان عبد الباقي  بشأن بلاغ ضدهما مُقدم من دفع الله حسب الرسول، عضو البرلمان  عن دائرة الريف الجنوبي لمدينة أم درمان بتهمة إشانة السمعة (المادة 159 من القانون الجنائي)  لنشرهما حديث له في البرلمان عن فساد الوزراء. وفي ذات اليوم حقَّقت النيابة مع هبة عبيد في بلاغ من نفس الشاكي بتهمة النشر الضار (المادة  (28) من قانون الصحافة والمطبوعات). وطالب الشاكي بدفع غرامة مالية قدرها 3 مليار جنيه. [18]
 
محفوظ بُشرى.. مُحاكمة الرأي
في 20 يناير 2015 مَثُل الكاتب الصحفي محفوظ بشرى، أمام محكمة الملكية الفكرية في مواجهة بلاغ ضده من جهاز الأمن و المخابرات الوطني تحت المادة (26) الفقرة (ح) من قانون الصحافة والمطبوعات والمتعلقة ب(عدم إثارة الفتنة الدينية أو العرقية أو العنصرية أو الدعوة للحرب والعنف) والمادة (66) من القانون الجنائي (نشر أخبار كاذبة) . وقد جاء في إفادة محفوظ بشرى أن القضية متواصلة منذ العام 2013 وهي في مُجملها لا تنفصل عن المشهد السياسي ككل فالحكومة في إطار سعيها لحماية نفسها تمارس رقابة صارمة حتى على نفسها ناهيك عن مراقبة الرأي العام. كما أنها تسعى بكل جهد لعسكرة الدولة وتركيز كل السلطات في يد جهةٍ واحدة، ما يجعلهم يلجأون لمحاكمة أي شخص يعبر عن رأيه.[19]
تجئ الهجمة على الصحافة وملاحقة الصحفيين في إطار السياسة العامة للحكومة، الرامية لتكميم الأفواه وإعاقة الحصول على المعلومة، بالإضافة لكسر شوكة الصحفيين، خصوصاً المهنيين منهم، جبارهم على تبني سياسة الحكومة التي تسعى بكل جهد لجعل الصحافة عبارة عن نشرات مكاتب حكومية. ومن يأبى تلك السياسة يُلاحق بالبلاغات والاستدعاءات التي تهدف لتعطيل العمل وإرهاق الصحف مادياً. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الاستدعاءات والمحاكم فقط للتخويف، وفي النهاية تتم تسوية الموضوع وقفل باب القضية. إلا أن فترات المحاكمات والبلاغات قد تطول لأعوام يعيش خلالها الصحفي توتر مهني ونفسي، ودوننا قضية الصحفية عائشة السماني المُحررة بصحيفة أول النهار، كان الشاكي فيها جهاز الأمن بمدينة النهود بشمال كردفان على خلفية تصويرها لسجن النهود الذي إعتبره الشاكي تصويراً لمنطقة عسكرية. فبعد فتح بلاغ في مواجهتها تحت المادة (57) (تصوير مناطق عسكرية)  في الرابع من يوليو 2014 (كانت تعمل بصحيفة سيتزن التي تصدر باللغة الإنجليزية وقتذاك) ومُصادرة هاتفها المحمول لأكثر من ستة أشهر تمَّ شطب البلاغ في مواجهتها في العاشر من ديسمبر من ذات العام لجهة أن القاضي اعتبر أن السجن لا يعتبر منطقة عسكرية. [20]
ويقول بعض الصحفيين أن مؤسسات الإعلام الأجنبية والعربية ومراسلوها، يواجهون الاستدعاءات والمضايقات من وقت لآخر، بل إن بعض المراسلين يتخوفون من أن يكونوا عرضة للإيقاف ومنعهم من مزاولة أعمالهم وأعمال مؤسساتهم بالسودان، على غرار ما حدث لبعض المؤسسات التي أُغلقت مكاتبها خلال هبة سبتمبر 2013.[21]  
وتشير معلومات المرصد إلى أن غالب المؤسسات الصحفية والمطابع في السودان إما مملوكة للحكومة أو بعض النافذين أو شراكة بين الناشرين وبعض المرضي عنهم من جانب الحكومة. وتسيطر الحكومة سيطرة شبه كاملة على سوق الإعلان، وتتحكم  في التوزيع للمؤسسات الرسمية والبنوك العاملة في السودان، بحيث يقتصر على صحف معينة، مما يعني محاربة غير معلنة لكل من تسول له نفسه قيادة خط مستقل وبالتالي الوصول إلى الإفلاس الكامل، أو الخروج من السوق ومواجهة المحاكم بسبب تراكم المديونيات. ونفس إجراءات التدخل وإحكام السيطرة، ينطبق على الإجراءات التي تصاحب التعيين في الوظائف التحريرية العليا. 
 
بعد الكتابة
عقب الإنتهاء من البحث الميداني الخاص بهذا التقرير وإعداد مسودة التقرير قام جهاز الأمن في يوم الاثنين 16 فبراير 2015 بمصادرة 14 صحيفة بعد طباعتها، وقام كذلك يوم الأربعاء 18 فبراير بمصادرة أربع صحف.
وتتضارب الروايات حول الأسباب الحقيقية وراء المصادرة خصوصاً أن غالبية الصحف المصادرة تعتبر مقربة من الحكومة، فبعض المصادر تشير إلى أن الحكومة تريد أن ترفع العصا للصحف حتى ترعوي من استخدام فترة الدعاية الإنتخابية للرئاسة والبرلمان المقررة في أبريل، أي استخدام يمكّنها من توسيع كوة الحريات، وتشير مصادر أخرى إلى أن الخبر الذي أوردته الصحف حول إختفاء الصحفي سراج النعيم، لا يمكن أن يكون سبباً في مصادرتها، لأن بعض الصحف التي نشرت الخبر لم تُصادر، ولذلك ربما تكون المصادرة خوفاً من انتشار خبر حول ضلوع مسؤول في جريمة غسيل أموال[22]، في حين يؤكد آخرون أن مصادرة صحيفة التيار وحدها ولأيام متتالية، سببه نشرها لخبر حول حاويات مشعة واستقالة أربعة مدراء إدارات بجهاز الرقابة النووية والإشعاعية احتجاجا على سماح السلطات لإحدى شركات البترول بإدخال (63) حاوية - عبر ميناء بور تسودان - تحمل مواد مُشعَّة وخطيرة للغاية).[23] وقد علّق وزير الإعلام أحمد بلال عثمان في نفس اليوم على مصادرة الصحف بالقول إن ما تمّ هو وفق القانون ويمكن أن يتكرر، وتعبيراً عن رفضهم للقرار، قام صحفييون بتنفيذ وقفة إحتجاجية أمام مجلس الصحافة والمطبوعات، الذي أصدر بدوره بياناً قال فيه " أنه لم تكتمل لدى هيئة المجلس حتى وقت اجتماعها المذكور الحيثيات والوقائع التي أملت اتخاذ مثل هذه الخطوة غير المسبوقة " وقال كذلك: " تُذكِّر الهيئة بأن الشأن الصحفي في البلاد يُدار بواسطة المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية عن طريق قانون خاص هو قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية. ولأن القانون الخاص يقيد العام فقد كان من المرتجى أن يكون المجلس هو الجهة التي تحاسِب الصحف إذا وقعت في أخطاء مخالفة للقانون".[24]


[1]  إفادات رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني للمرصد، الخرطوم، يومي 10-15 فبراير 2015
[2]  إفادة أحد المحررين من صحيفة الصيحة، الخرطوم،12 فبراير 2015
[3]  إبراهيم ميرغني، القسم السياسي- صحيفة الميدان، الخرطوم، 6 فبراير 2015 ....
[4]  إفادة من احد محرري صحيفة-الأهرام اليوم، الخرطوم، 9 فبراير 2015...
[5]  تصريح من محمد الفاتح همت-صحيفة الميدان، الخرطوم،  8 فبراير 2015....
[6]  إفادة من سعاد الخضر-صحيفة الجريدة، الخرطوم، 9فبراير 2015...
[7] إفادة من ندى رمضان-صحيفة الجريدة، الخرطوم، 9 فبراير 2015
[8] المصدر السابق  
[9]  المصدر نفسه
[10] إفادة من مزدلفة دكام، صحيفة التغيير، الخرطوم، 27 يناير 2015
[11] عمر سيكا، صحفي بصحيفة الجريدة، الخرطوم،5 فبراير 2015
[12] عمر سيكا- مصدر سابق
[13]  إفادات بالهاتف من هنادي الهادي، 27 يناير 2015
[14]  مُقابلة مع إبراهيم ميرغني- صحيفة الميدان، الخرطوم، 6 فبراير 2015
[15]  إبراهيم ميرغني- مصدر سابق
[16]  المصدر نفسه
[17]  مقابلة مع تاج السر ود الخير- صحيفة التيار، الخرطوم، 28 يناير 2015
[18]  إفادة إحدى الصحفيات اللاتي يغطينَ البرلمان، الخرطوم،  1و10 فبراير 2015
[19] إفادة بالهاتف من الكاتب الصحفي محفوظ بشرى، الخرطوم، 10 فبراير 2015
[20] إفادات  عبر الهاتف من الصحفية عائشة السماني، الخرطوم، 27 يناير 2015
[21] إفادة من اثنين من المراسلين فضلا حجب اسميهما، الخرطوم، 12 فبراير 2015
 إفادات من صحفيين فضلوا عدم ذكر اسمائهم 18 فبراير 2015 [22]
[23]  بيان صحفيون لحقوق الإنسان(جهر) نشر في 17 فبراير 2015
[24]  بيان لهيئة مجلس الصحافة والمطبوعات بتاريخ 16 فبراير 2015

Monday, February 9, 2015

مع اقتراب الانتخابات: المزيد من إغلاق وإلغاء ومصادرة، وتقييد عمل المجتمع المدني فى السودان



الخرطوم، 9 فبراير 2015

خلال الأعوام الماضية، واجهت العديد من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والإعلامية، هجمات متصاعدة تنافي كافة الأعراف والقوانين السودانية والدولية. وبخلاف المداهمات والاعتقالات وإيقاف الأنشطة والرقابة القبلية والبعدية والعقوبات الاقتصادية على هذه المؤسسات، ظهرت وبشكل مكثّف، حالات إلغاء التسجيل والمنع من مزاولة الأنشطة نهائياً ومصادرة الممتلكات وتشريد العاملين بهذه المؤسسات إن كانت منظمات مجتمع مدني أو صحف أو مؤسسات ثقافية.

موجة ثالثة من الإجراءات التعسفية على المجتمع المدني

بلغت الهجمة ذروتها فى أواخر عام 2012 عندما قامت السلطات السودانية بإغلاق عدد من منظمات المجمتع المدنى، من بينها مركز الدراسات السودانية فى 24 ديسمبر بقرار من وزارة الاعلام، وبعدها بخمسة أيام تلقَّى مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية قراراً بالغاء التسجيل وتمت مصادرة كافة ممتلكات المركز. كما تم ايقاف نشاط بيت الفنون، ومنظمة أري لحقوق الإنسان والتنمية فى نفس اليوم. تواصلت هذه الهجمات في الفترة الأخيرة، فقد أشارت تقارير المرصد إلى مضايقات تواجهها عدد من المؤسسات والمنظمات، ففي إتصال هاتفي لـ (المرصد) مع أحد أعضاء منتدى شروق الثقافي بولاية القضارف، أشار إلى أن ممتلكات المنتدى ما زالت مُصادرة، والمُنتدى بلا مقر مُنذ مُداهمة جهاز الأمن له في يوم الثلاثاء 11/ فبراير 2014م، وقد أفادت مصادرنا أن أفراد الأمن داهموا المقر قبل دقائق قليلة من تنظيم فعالية مُتعلقة بمُناقشة كتاب(التنمية واستدامة السلام في شرق السودان)، واستولى على كافة ممتكات المُنتدى ما اضطرهم لإخلاء المقر. ظل المُنتدى مُلاحقاً منذ تأسيسه وقد ظلت قياداته ورواده عُرضة للاعتقال والمُلاحقة مُنذ العام 2010م إلى أن توصلوا لضرورة إخلاء المقر[1]. وفي إتصال مع مدير مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي -وليد خلف الله- أفاد بأنه في أكتوبر العام الماضي، أوقفت السلطات الأمنية ندوات المركز، بدعوى أن المركز غير مُسجل تسجيلاً ولائياً، رغم أن المركز مُسجل لدى مُسجل الجمعيات الثقافية بوزارة الثقافة الاتحادية، ومع العلم بأن كل الندوات التي يتم إقامتها داخل مقر المركز لا تقوم إلا بتصديق مُسبق من الشرطة والذي يتم التحصل عليه بعد مُماطلة.[2]

 وكما أشرنا سابقاً فإن موجة الانتهاكات طالت كل مؤسسات الوعي و الاستنارة بما فيها تلكم المعنية بالجانب الثقافي، وما تجدُر الإشارة إليه أن مؤسسة شمبات الثقافية الاجتماعية (النيمة) و التي تمَ تأسيسها في العام 1991م لم تسلم هي الأخرى من الانتهاكات، وكان المنتدى قد بدأ عبر (صحيفة النيمة) وتحول إلى مؤسسة ثقافية واجتماعية كاملة لنشر الوعي والفنون في العام 1997، فعقب مُظاهرات سبتمبر التي شهدها العام 2013م، تعرَّضت المؤسسة للمساءلة من قبل الأجهزة الأمنية، وفي إتصال هاتفي مع أحد أعضاء مجلس الإدارة أفاد بأن  السلطات الأمنية لم تقم بتوقيف نشاط المنتدى، إلا أن المؤسسة تعرَّضت للمُساءلة من قِبل الأجهزة الأمنية في شهر سبتمبر ٢٠١٣ على خلفية إقامة المنتدى لتأبين شهداء سبتمبر من أبناء شمبات.
و بعد ذلك قرر المنتدى إيقاف أنشطته طوعاً لظروف الحزن في المنطقة بعدها عاود أنشطته كاملة بما فيها المنتدى الفني الغنائي وكذلك إصدار صحيفة النيمة[3].

أما مطعم (بابا كوستا) والذي تمَّ تأسيسه في العام 2006، فقد فتح أبوابه أمام المعارض الفنية والتشكيلية مجاناً، في حين عجزت المؤسسات الحكومية عن القيام بهذا الدور، وهو ما جعله قبلة للفنانين والأدباء والشعراء، ولكن سلطات جهاز الأمن قامت باستدعاء مدير المطعم السيد عمر الفضلي، عدة مرات لمكاتب الأمن، مع مراقبة مستمرة، انتهت في 27 ديسمبر 2014 إلى إيقاف أحد المعارض بحجة عدم التصديق له، وفي اليوم الثاني تمَّ استدعاء مدير المطعم واتهموه بإقامة نشاطات سياسية وطالبوه بالتقديم للتصديق لأي فعالية، سياسية، ثقافية، أو اجتماعية، ولكن وبحسب المدير فإن المطعم قام باستضافة العديد من الفعاليات، ولم يقوموا بطلب التصديق![4]  

 

 ثم منعت السلطات مؤخراً "معرض مفروش للكتب المستعملة"، وهو نشاط شهري تنظمه جماعة عمل الثقافية، في باحة مقهى أتينيه في وسط الخرطوم التجاري. وعلى الرغم من تأكيد  "وقوفه مع فعاليات (مفروش) لبيع وتبادل الكتب المستعملة" فقد أوضح وزير الثقافة الطيب حسن بدوي "أن قرار منعه يقع في اختصاص الجهات التنفيذية على المستوى الأدنى"[5].

 وقد عبرت منظمات حقوق الإنسان منذ وقت مبكر عن خشيتها أن تكون هذه الإجراءات التعسفية "بداية لموجة ثالثة من الإجراءات التي تستهدف المجتمع المدني في السودان عقب الحملة الأولى التي صاحبت الانقلاب العسكري في 1989 والثانية التي انطلقت عقب إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن التهم الموجهة" ضد مسؤولين سودانيين".[6]

 وتواصلت الهجمة فى عام 2013- 2014 بالغاء تسجيل مركز سالمة لدراسات المرأه بقرار من وزارة العدل. وقام جهاز الأمن السودانى فى سبتمبر 2014 بمهاجمة مركز تنمية المجتمع المدنى وتفتيشه ومصادرة الوثائق وأجهزة الكمبيوتر.

يسجل المرصد السوداني لحقوق الإنسان عبر هذا التقرير بعض الحالات التي تعتبر تواصلاً للانتهاكات التى تصادر حريتي التعبير والتنظيم في السودان. فقد شهد شهر يناير2015، تضييقاً متزايداً من السلطات تجاه منظمات ومؤسسات المجتمع المدني في السودان، حيث واجهت بعض المنظمات الإغلاق  وإلغاء التسجيل، فيما واجهت أخرى التعليق أو عدم تجديد الترخيص. ومن ناحية أخرى، تراجعت حرية التعبير بشكل غير مسبوق مع عودة الرقابة على بعض الصحف والاستدعاءات الأمنية المتكررة لعدد من الصحفيين، وفتح دعاوى جنائية وتقديم عدد آخر للمحاكمات.

 

 

1- إغلاق وإلغاء ومصادرة، تقليص فضاء العمل المدني فى السودان

في هذا الجزء من التقرير سنُقدِّم أبرز حالات انتهاك حرية التجمع والتنظيم والذي تعرّضت له عدد من المؤسسات السودانية المدنية الناشطة والمسجلة وفق القانون السوداني خلال شهر يناير 2015 الماضي.

مركز الأستاذ محمود محمد طه الثقافي: مماطلة في تجديد الترخيص ثم إغلاق

 أنشئ مركز الأستاذ محمود محمد طه تخليداً لذكرى الأستاذ محمود الذي أعدمته محاكم نميري بتهمة الردة في 18 يناير 1985 ليصبح يوم مقتله يوماً لحقوق الإنسان في العالم العربي. وقد سجل المركز بشهادة من وزارة الثقافة والشباب في يونيو 2009. وقد نشط المركز في تنظيم المحاضرات واللقاءات المفتوحة حيث تجاوز ما نظمه من محاضرات وندوات عامة 500 محاضرة وندوة، بالإضافة إلى ورش العمل وحلقات تدريبية وسمنارات تناولت قضايا الثقافة والاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها.[7] وقد ظل المركز منذ تأسيسه يقوم بتجديد ترخيصه سنوياً بعد تقديم المستندات اللازمة. لكن يقول مسئولو المركز "في نوفمبر 2013 تقدمنا بطلبنا المعتاد للتصريح السنوي لكن السلطات ظلت تماطل. وبالرغم من ذلك لم نيأس فاستمرت مطالبتنا لمسجلة عام الجمعيات الثقافية التى كانت تعتذر بأسباب واهية لا تدل إلا على عدم مهنيتها وعدم مهنية وزارة الثقافة في تصريف واجباتها المناطة بها، وأخيراً علمنا أن ملف المركز قد طلبه جهاز الأمن!! وعلمنا أيضاً فيما بعد أن هناك جهات تنفيذية لا ترغب في تجديد الترخيص لنا!!".[8]

يقول مسئولو المركز إن زيارات رجال الأمن للمركز قد توالت طوال فترة انتظارهم لتجديد الترخيص، وقد عُطِّل نشاط المركز فعلياً خلال فترة الانتظار، كما تم استدعاء المسئولين عدِّة مرات لجهاز الأمن فرع محلية كرري؛ وقد تجاهلت السلطات طلب المركز إلى وزارة الثقافة بالردِّ على طلب تجديد الترخيص أو السماح لهم بالاحتفال بذكرى الأستاذ محمود، والتي درج المركز على إحيائها سنوياً ريثما تبتُّ السلطات في مسألة الترخيص، كذلك تجاهل مسئولو الدولة، طلب المركز مرات عديدة مقابلة الوزير المختص، ولكن دون جدوى حتى إغلاق المركز!!

أفاد مسئولو المركز أن قوة من رجال الأمن مسلحين ببنادق الكلاشنكوف أحاطت بالمركز في نوفمبر 2014 في وقت كان 17 من أعضاء المركز مجتمعين لمناقشة برنامج احتفالات ذكرى الأستاذ محمود؛ وفي ذات الوقت كانت اللجنة التنفيذية للمركز أيضاً مجتمعة لمناقشة مسائل تتصل بذات الاحتفال . إتهم رجال الأمن أعضاء المركز بأنهم يمارسون عملاً سياسياً وقاموا بفض الاجتماعين بعنف وفظاظة غير مبررة. وفي 14 ديسمبر استدعي مسئولو المركز مرة أخرى من قبل جهاز الأمن لاستجوابهم عن برنامج الاحتفال المُزمع قيامه في يوم 18 يناير.

يقول مسئولو المركز أنهم تلقّوا يوم 15 يناير محادثة تلفونية بأن هناك أوامر ألا يقوم الاحتفال بالذكرى، فاجتمعت اللجنة التنفيذية التى قررت ألا تتراجع عن الاحتفال وليس هناك ما يبرر هذا المنع طالما أنهم سيحتفلون داخل المركز؛ وبالفعل أقيم الاحتفال، وبعد حوالي 45 دقيقة حضرت قوة من الأمن يحملون العصى، وخراطيش بلاستيكية بالإضافة إلى المسدسات، وأمروا الحاضرين بالتفرق ذاكرين أن لديهم أمراً بإغلاق المركز، لكنهم لم يبرزوا أي مستند رسمي يدل على هذه الأوامر. وقد لوحظ أن خطاب الإغلاق الذي سُلِّم للمركز يوم 20 يناير أُرخ بتاريخ 15 يناير. انفض المشاركون وساروا يرددون الذكر حيث واصلوا احتفالهم في منزل أحد الأعضاء الذي أحاطت به قوة من مكافحة الشغب[9].

وتشير تقارير إلى أن قوة من الأمن فضَّت في مساء نفس اليوم، احتفالاً بذكرى الأستاذ محمود أقامه المركز السوداني لحقوق الإنسان المقارنة في إحدى القاعات بجامعة الأحفاد بالرغم من أن العرف والممارسة القائمة لا تقتضي الحصول على إذن للمحاضرات داخل الحرم الجامعي، وقد أفاد بعض الحاضرين أن بعض أفراد القوة الأمنية التي فضَّت اللقاء، استعملوا كلمات غير لائقة في مخاطبة المشاركين والمشاركات. 

 المنتدى المدني القومي: تعليق ثم إلغاء تسجيل

وفي نفس شهر يناير المنصرم، وبدون حيثيات أو أسباب واضحة، تلقَّى المنتدى المدني خطاباً مماثل من مسجل الجمعيات الثقافية أفادهم فيه بإلغاء التسجيل.

المنتدى المدني منظمة مستقلة تعمل في مجالات بناء السلام والتحول الديمقراطي، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبناء قدرات منظمات المجتمع المدني، ومراقبة الانتخابات. وقد قام المنتدى بتشجيع وتنظيم الحوار بين فرقاء السياسة وناشطي المجتمع المدني والأكاديميين، وتمكَّن من جمع دينكا نقوك والمسيرية بعد أكثر من ثلاثين عاماً من القطيعة. كما أصدر العديد من الكتب التي شملت مختلف الآراء ومخرجات الحوارات التى نظمها. كذلك أسهم المنتدى في بناء قدرات منظمات المجتمع المدني في الولايات التي عمل فيها، إضافة لنشاطه البارز في مراقبة انتخابات أبريل 2010، واستفتاء جنوب السودان، والانتخابات التكميلية بجنوب كردفان وولاية القضارف، وأصدر تقاريرأ عن نتائج مراقبته تميزت بالمهنية والحياد، وكانت بعضاً من الوثائق التي احتكم إليها الفرقاء لدى القضاء السوداني. كما ساهم المنتدى بشكل راتب، وفي إطار عمله في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في إصدار تقارير الظل في إطار المراجعة الدورية الشاملة الخاصة بالسودان. وساهم في تقارير الحقوق الاقتصادية التي تصدرها الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية التي هو عضو نشط فيها.

أفاد بيان صادر عن المنتدى المدني بتاريخ 20/1/2015 أنهم قد تسلموا قراراً من مسجل الجماعات الثقافية بإلغاء تسجيل المنظمة ومبرراً القرار ب "ممارسة المنتدى لأنشطة تخالف أحكام قانون الجماعات الثقافية القومية لعام 1996 ولأحكام نظامه الأساسي". وكان نشاط المنتدى قد جُمِّد عملياً منذ نهايه العام 2013 بعد فضِّ ندوة حول أجندة السودان التنموية لما بعد 2015، ثم قامت السلطات بتعطيل طلب عقد الجمعية العمومية للمنتدى، وبالتالي عدم تجديد شهادة التسجيل منذ نوفمبر 2013 مع عدم السماح بممارسة أي نشاط إلا بعد الحصول على شهادة التسجيل.

لم يحدد قرار "مسجل الجماعات الثقافية" المخالفات القانونية أو مخالفات النظام الأساسي للمنتدى، لكن هذه السلسلة المتواصلة من قرارات الإغلاق والمضايقات تشير بوضوح إلى استهداف المنظمات التي تعمل في مجالات نشر الوعي وثقافة الحقوق، والدعوة إلى السلام، والتحول الديمقراطي.[10]

إتحاد الكُتّاب السودانيين: إغلاقٌ ثانٍ

في يوم الخميس29 يناير، تلقّى الأمين العام لاتحاد الكُتّاب السودانيين، اتصالاً هاتفياً من مسجل الجماعات الثقافية، حيث طُلب منه الحضور لاستلام خطاب. عند وصول الأمين العام إلى الوزارة تمَّ تسليمه خطاب يفيد بإلغاء تسجيل الإتحاد. وهذا هو قرار الحل الثاني الذي يتعرض له الاتحاد بعد حلِّه في العام 1989 عقب إنقلاب يونيو. ويعتبر اتحاد الكُتّاب السودانيين، أحد أعرق المؤسسات الثقافية المدنية التي جمعت عدداً مُقدّراً من أبرز العقول ومنتجي الثقافة والأدب في السودان، واحتضنت داره العديد من الفعاليات الثقافية والأدبية التي أثرت الوجدان السوداني وخلقت حراكاً ثقافياً ظل راسخاً في أذهان الناس ومكتباتهم.

عاد الاتحاد للوجود بفضل مثابرة أعضائه وأعيد تأسيسه في 2006 عقب اتفاقية السلام فيما عُرف ب"الميلاد الثاني". مرة أخرى نظَّم الإتحاد فعاليات نوعية، واستضاف العديد من المفكرين والأدباء من داخل وخارج البلاد، كما أسهمت الأنشطة التي كانت تُعقد بشكل منتظم حتى إغلاقه في إثراء الحياة الثقافية وإتاحة الفرصة لأصوات أدبية مستقلة سُدّت أمامها المنابر الإعلامية الرسمية، في غالب الأحيان. وقد نال الاتحاد، بعد وقت وجيز من إعادة تأسيسه، جائزة مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية المرموقة بسبب تميُّز نشاطه.

وقد أكَّد اتحاد الكتّاب من خلال تصريحات صحفية من أمينه العام، على أن اللجوء للقضاء هو خيارهم الأكيد، حال عدم تراجع السلطات عن قرارها القاضي بالغاء تسجيله، وكشف عن اعتزامهم تقديم طعن قانوني، كما أضاف بأنهم بصدد تقديم مذكرة لاستئناف القرار، مع مواصلة العمل الإعلامي من أجل استعادة حقهم القانوني.[11]

المرصد السوداني لحقوق الإنسان في المواجهة   

كما يواجه المرصد السودانى لحقوق الانسان تضييقاً من قبل السلطات الأمنية على أنشطته، حيث قامت مجموعة من أفراد جهاز الأمن السودانى باقتحام مقر المرصد فى ديسمبر 2014، وأوقفت ورشة عمل كانت تُقام لتدريب ناشطين وصحفيين على توثيق الانتهاكات، كما قام أفراد جهاز الأمن بتفتيش ومصادرة وثائق وأجهزة كمبيوتر تخصُّ المنظمة.

الجدير بالذكر أن المرصد السودانى لحقوق الانسان، يعتبر أول منظمة سودانية تعمل بشكل مهني فى مجال حقوق الانسان فى السودان، حيث تم تأسيسه فى عام 1985 تحت اسم المنظمة السودانية لحقوق الإنسان. بعد انقلاب يونيو 1989 وحل المنظمة، انتقلت إلى العمل فى الخارج. في 2005 أعيد تسجيل المنظمة فى السودان باسم المرصد السودانى لحقوق الإنسان.

ويجمع بين هذه المنظمات أنها من المنظمات المؤسسة لكونفدرالية منظمات المجتمع المدني، التى جمعت بينها مبادئ الاستقلالية والعمل السلمى وحماية الحقوق. كما إن رئيس الكونفدرالية الدكتور أمين مكي مدني، لا زال حبيسَ السجن، فقط، لتوقيعه على وثيقة "نداء السودان" ممثلاً لمبادرة المجتمع المدني.

حيث لا يزال الدكتور أمين مكي مدني أحد أبرز الناشطين فى مجال حقوق الإنسان والرئيس السابق وعضو مجلس الأمناء الحالي للمرصد السودانى لحقوق الانسان وأبرز مؤسسيه، ورئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني، رهن الاعتقال منذ السادس من ديسمبر 2014، على خلفية توقيعه على وثيقة "نداء السودان" مع مجموعات معارضة للسلطة، وهى وثيقه تدعو الى وقف الحرب والانتقال السلمى فى السودان.

خاتمة

ما يجدر ذكره في خاتمة هذا الجزء من التقرير أن خطابات الإلغاء التي صدرت بحق مركز الأستاذ محمود والمنتدى المدني، دوِّن عليها نفس التاريخ(15 يناير 2015) مع أن الإجراءات تمت في وقت لاحق وفي أيام مختلفة الأمر الذي يثير تساؤلاً مشروعاً حول القصد من وراء هذه القرارات، وهو سؤال مطروح لمزيد من البحث والتقصي حول الكيفية التي تصدر بها مثل هذه الخطابات وموافقتها للإجراءات الإدارية داخل المؤسسات الحكومية.

 بناءً على ما تقدم، يدعو المرصد السوداني لحقوق الإنسان كافة الجهات المعنية إلى:

1- إلغاء السلطات قراراتها غير المبررة بإغلاق المنظمات المشار إليها وإعادة ممتلكاتها والسماح لها باستئناف العمل.

2- وقف مضايقة المنظمات عبر الأشكال المختلفة الممارسة وعدم استخدام الشرط القانوني القاضي بالتقدم للسلطات سنوياً لتجديد الترخيص كوسيلة للضغط عليها وتصفيتها.

3- مراجعة كافة القوانين التي تنظم عمل المجتمع المدني حتى تتلاءم مع الدستور والتزامات السودان الدولية.

 

للمزيد من المعلومات:

  1. البريد الإلكتروني للمرصد: marsad.org.sudan@gmail.com
  2. مجدي النعيم، الأمين العام، بريد إلكتروني: elnaim.magdi@gmail.com
  3. البراق النذير الوراق، المدير التنفيذي، بريد إلكتروني: baragnz@gmail.com

 

 



[1] إفادة عبر الهاتف من أحد قيادات المُنتدى.
[2]  إفادة عبر الهاتف من الأستاذ وليد خلف الله مدير المركز.
[3]  إفادة عبر الهاتف من أحد المسؤولين في المنتدى.
[4] لقاء مع السيد عمر الفضلي بمطعم باب كوستا السياحي

[6]  انظر المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام "السودان: السلطات تحظر عمل عدد من منظمات المجتمع المدني في حملة جديدة على حرية التجمع" http://www.acjps.org/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%AD%D8%B8%D8%B1-%D8%B9%D9%85%D9%84-%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D9%85%D9%86-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A7%D8%AA

 

[7]  تعتمد معظم المعلومات في هذا الجزء على إفادة مكتوبة من مسئولي المركز ومقابلات بتاريخ 4، 6،7 فبراير 2014 .
[8]  إفادة مكتوبة من مسئولي المركز (سابق).
[9]  المصدر السابق
[10]  جزء من هذه المعلومات توفرت من خلال البيان الصادر من المنتدى، وجزء آخر توفر من خلال مقابلة مع مدير المنتدى المدني الدكتور حسن عبدالعاطي.
[11]  جزء من هذه الإفادة أخذت عبر الهاتف من الأمين العام للإتحاد، والجزء الثاني من مصادر صحفية نشرت الخبر بتاريخ 29 يناير 2015